كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قل} أي: لهم {أروني} أي: أعلموني {الذين ألحقتم به} أي: بالله {شركاء} أي: في العبادة هل يخلقون وهل يرزقون وقوله تعالى: {كلا} أي: لا يخلقون ولا يرزقون ردع لهم عن مذهبهم بعد ما كسره بإبطال المقايسة كما قال إبراهيم عليه السلام {أف لكم ولما تعبدون من دون الله}.
بعدما حجهم وقد نبه على تفاحش غلطهم بقوله تعالى: {بل هو الله العزيز} أي: الغالب على أمره الذي لا مثل له وكل شيء يحتاج إليه {الحكيم} أي: المحكم لكل ما يفعله فلا يستطيع أحد نقض شيء منه فكيف يكون له شريك، وأنتم ترون ما ترون له من هاتين الصفتين المنافيتين لذلك.
تنبيه:
في هذا الضمير وهو هو قولان: أحدهما: أنه عائد إلى الله تعالى أي: ذلك الذي ألحقتم به شركاء هو الله والعزيز الحكيم صفتان. والثاني: أنه ضمير الأمر والشأن والله مبتدأ، والعزيز الحكيم خبر إن والجملة خبر هو.
فإن قيل: ما معنى قوله: {أروني} وكان يراهم ويعرفهم أجيب: بأنه أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله تعالى وأن يقاس على أعينهم فيه وبين أصنامهم ليطلعهم على إحالة القياس إليه والإشراك به.
ولما بين تعالى مسألة التوحيد شرع في الرسالة بقوله سبحانه وتعالى: {وما أرسلناك} أي: بعظمتنا {إلا كافة للناس} أي: إرسالًا عامًا شاملًا لكل ما شمله إيجادنا فكأنه حال من الناس قدم للاهتمام، وقول البيضاوي: ولا يجوز جعلها حالًا من الناس أي: لأن تقديم حال المجرور عليه كتقديم المجرور على الجار رده أبو حيان بقوله: هذا ما ذهب إليه الجمهور وذهب أبو علي وابن كيسان وابن برهان وابن ملكون إلى جوازه وهو الصحيح انتهى. وهذا هو الذي ينبغي اعتماده ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» ومن أمثلة أبي علي: زيد خير ما يكون خير منك والتقدير: زيد خير منك خير ما يكون وأنشد:
إذا المرء أعيته المطالب ناشئا ** فمطلبها كهلًا عليه شديد

أي: فمطلبها عليه كهلًا وأنشد أيضًا:
تسليت طرًا عنكم بعد بينكم ** بذكراكم حتى كأنكم عندي

أي: عنكم طرًا، وقيل: أنه حال من كاف أرسلناك والمعنى: إلا جامعًا للناس في الإبلاغ والكافة بمعنى الجامع، والهاء فيه للمبالغة كهي في علامة ورواية قاله الزجاج.
وقيل: إن كافة صفة لمصدر محذوف تقديره: إلا إرسالة كافة قال الزمخشري: إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم؛ لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم قال أبو حيان: أما كافة بمعنى عامة فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالًا ولم يتصرف فيها بغير ذلك فجعلها صفة لمصدر محذوف خروج عما نقلوا، ولا يحفظ أيضًا استعمالها صفة لموصوف محذوف.
قال البقاعي: وأما الجن فحالهم مشهور أي: أنه أرسل إليهم، وأما الملائكة فالدلائل على الإرسال إليهم في غاية الظهور انتهى.
وهذا هو اللائق بعموم رسالته وإن خالف في ذلك الجلال المحلي في شرحه على جمع الجوامع، وفي عموم رسالته صلى الله عليه وسلم فضيلة على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلئن كان داود عليه السلام فضل بطاعة الجبال له والطير وإلانة الحديد وسليمان عليه السلام بما ذكر له، فقد فضل محمد صلى الله عليه وسلم نبينا بإرساله إلى الناس كافة، والحصا سبح في كفه، والجبال أمرت بالسير معه ذهبًا وفضة، والحمرة شكت إليه أخذ فراخها أو بيضها، والضب شهد له بالرسالة والجمل شكا إليه وسجد له، والأشجار أطاعته والأحجار سلمت عليه وائتمرت بأمره وغير ذلك مما لا يدخل تحت الحصر، وإنما ذكرت ذلك تبركًا بذكره صلى الله عليه وسلم وأنا أسأل الله تعالى أن يشفع في وفي والدي وجميع أحبابي وبقية المسلمين أجمعين.
ولما كانت البشارة هي الخبر الأول الصدق السار وكان في ذكرها رد لقولهم في الكذب والجنون قال تعالى: {بشيرًا} أي: مبشرًا للمؤمنين بالجنة {ونذيرًا} أي: منذرًا للكافرين بالعذاب {ولكن أكثر الناس} أي: كفار مكة {لا يعلمون} فيحملهم جهلهم على مخالفتك.
ولما سلب عنهم العلم اتبعه دليله كقوله تعالى معبرًا بصيغة المضارع الدال على ملازمة التكرير للإعلام بأنه على سبيل الاستهزاء لا الاسترشاد.
{ويقولون} من فرط جهلهم بعاقبة ما يوعدونه {متى هذا الوعد} أي: البشارة والنذارة في يوم الجمع وغيره فسموه وعدًا زيادة في الاستهزاء.
ولما كان قول الجماعة أجدر بالقبول وأبعد عن الرد من قول الواحد أشار إلى زيادة جهلهم بقوله تعالى: {إن كنتم} أي: أيها النبي وأتباعه {صادقين} أي: متمكنين في الصدق.
{قل لكم} أي: أيها الجاحدون الأجلاف الذين لا يجوزون الممكنات أو لا يتدبرون ما أوضحها من الدلالات {ميعاد يوم} أي: لا يحتمل القول وصف عظمه لما يأتي فيه لكم من العقاب سواء كان يوم الموت كما قاله الضحاك أو البعث كما قاله أكثر المفسرين {لا تستأخرون} أي: لا يوجب تأخركم {عنه ساعة} لأن الآتي به عظيم القدرة محيط العلم ولذلك قال: {ولا تستقدمون} أي: لا يوجد تقدمكم لحظة فما دونها ولا تتمكنون من طلب ذلك.
فإن قيل: كيف انطبق هذا جوابًا عن سؤالهم؟
أجيب: بأنهم ما سألوا عن ذلك وهم منكرون له إلا تعنتًا لا استرشادًا فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقًا لمجيء السؤال على سبيل الإنكار والتعنت، وأنهم مرصدون بيوم يفاجئهم فلا يستطيعون تأخرًا عنه ولا تقدمًا عليه.
{وقال الذين كفروا} مؤكدين قطعًا للأطماع عن دعائهم {لن نؤمن} أي: نصدق أبدًا وصرحوا بالمنزل عليه صلى الله عليه وسلم بالإشارة فقالوا: {بهذا القرآن} أي: وإن جمع جميع الحكم والمقاصد المتضمنة لبقية الكتب {ولا بالذي بين يديه} أي: قبله من الكتب التوراة والإنجيل وغيرهما بل نحن قانعون بما وجدنا عليه آباءنا، وذلك لما روي أن كفار مكة سألوا بعض أهل الكتاب فأخبروهم أن صفة هذا النبي عندهم في كتبهم فأغضبهم ذلك وقرنوا إلى القرآن جميع ما تقدمه من كتب الله في الكفر بها فكفروا بها جميعًا.
وقيل: الذي بين يديه يوم القيامة، والمعنى أنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله، وأن يكون ما دل عليه من الإعادة للجزاء حقيقة.
ثم أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أو للمخاطب: {ولو} أي: والحال أنك لو {ترى} أي: يوجد منك رؤية لحالهم {إذا الظالمون} أي: الذين يضعون الأشياء في غير محالها فيصدقون آباءهم لإحسان يسير مكدر من غير دليل، ولا يصدقون ربهم الذي لا نعمة عندهم ولا عند آبائهم إلا منه {موقوفون} أي: بعد البعث بأيدي جنوده أو غيرها بأيسر أمر منه {عند ربهم} أي: في موضع المحاسبة {يرجع بعضهم} أي: على وجه الخصام عداوة كان سببها مواددة في الدنيا بطاعة بعضهم لبعض في معاصي الله تعالى: {إلى بعض القول} أي: بالملامة والمباكتة والمخاصمة.
تنبيه:
مفعول ترى وجواب لو محذوفان للفهم أي: لو ترى حال الظالمين وقت وقوفهم راجعًا بعضهم إلى بعض القول لرأيت حالًا فظيعة وأمرًا منكرًا ويرجع حال من ضمير موقوفون، والقول مفعول يرجع، لأنه يتعدى قال تعالى: {فإن رجعك الله}.
وقوله تعالى: {يقول الذين استضعفوا} أي: وقع استضعافهم ممن هو فوقهم في الدنيا وهم الأتباع في تلك الحال على سبيل اللوم {للذين استكبروا} أي: أوجدوا الكبر وطلبوه بما وجدوا من أسبابه التي أدت إلى استضعافهم للأولين وهم الرءوس المتبوعون {لولا أنتم} أي: لولا ضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان {لكنا مؤمنين} أي: باتباع الرسول تفسير لقوله تعالى: {يرجع} فلا محل له قال ابن عادل: وأنتم بعد لولا مبتدأ على أصح المذاهب وهذا هو الأفصح أعني وقوع ضمائر الرفع بعد لولا أي: وغيره فصيح خلافًا للمبرد حيث جعل خلاف هذا لحنًا، وأنه لم يرد إلا في قول زياد: وكم موطن لولاي وإلا قيس جعل الياء ضمير نصب أو جر قام مقام ضمير الرفع وسيبويه جعله ضمير جر.
ولما لم يتضمن كلامهم سوى قضية واحدة ذكر الجواب عنها بقوله تعالى: {قال الذين استكبروا} على طريق الاستئناف {للذين استضعفوا} ردًا عليهم وإنكارًا لقولهم إنهم هم الذين صدوهم {أنحن} خاصة {صددناكم} أي: منعناكم {عن الهدى بعد إذ جاءكم} أي: على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام لم نفعل ذلك؛ لأن المانع ينبغي أن يكون أرجح من المقتضى حتى يعمل عمله، والذي جاء به الرسل هو الهدى والذي صدر من المستكبرين لم يكن شيئًا يوجب الامتناع من قبول ما جاءوا به فلم يصح تعلقكم بالمانع، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال عند الجيم، والباقون بالإدغام وأمال الألف بعد الجيم حمزة وابن ذكوان وفتحها الباقون، وكذا الإظهار والإدغام في {إذ تأمروننا}.
وإذا وقف حمزة على {جاءكم} سهل الهمزة مع المد والقصر، وله أيضًا إبدالها ألفًا مع المد والقصر {بل كنتم} أي: جبلة وخلقًا {مجرمين} أي: كافرين لاختياركم لأقوالنا وتسويلنا.
فإن قيل: إذ وإذا من الظروف الملازمة للظرفية فلم وقعت إذ مضافًا إليها؟
أجيب: بأنه قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره فأضيف إليها الزمان كما أضيف إلى الجمل في قولك: جئتك بعد إذ جاء زيد وحينئذٍ ويومئذٍ.
ولما أنكر المستكبرون بقولهم: {أنحن صددناكم} أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين واثبتوا بقولهم {بل كنتم مجرمين} أن ذلك بكسبهم واختيارهم كر عليهم المستضعفون كما قال تعالى: {وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا} ردًا لإنكارهم صدهم {بل} أي: الصاد لنا {مكر الليل والنهار} أي: الواقع فيهما من مكركم فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم كأنهم قالوا: ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم بنا ليلًا ونهارًا {إذ تأمروننا أن نكفر بالله} أي: الملك الأعظم بالاستمرار على ما كنا عليه قبل إتيان الرسل {ونجعل له أندادًا} أي: شركاء نعبدهم من دونه، فإن قيل: لم قيل {قال الذين استكبروا} بغير عطف وقيل {وقال الذي استضعفوا} أجيب: بأن الذين استضعفوا مر أولًا كلامهم، فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريق الاستئناف ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الأول.
تنبيه:
يجوز رفع مكر من ثلاثة أوجه:
أحدها: الفاعلية تقديره بل صدنا مكركم في هذين الوقتين كما مر.
الثاني: أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي: مكر الليل صدنا.
الثالث: العكس أي: سبب كفرنا مكركم وإضافة المكر إلى الليل والنهار إما على الإسناد المجازي كقولهم ليل ماكر والعرب تضيف الفعل إلى الليل والنهار على توسع الكلام كقول الشاعر:
ونمت وما ليل المطي بنائم

فيكون مصدرًا مضافًا لمرفوعه، وأما على الاتساع في الظرف فجعل كالمفعول به فيكون مصدرًا مضافًا لمفعوله قال ابن عادل: وهذا أحسن من قول من قال: إن الإضافة بمعنى في أي: مكر في الليل لأن ذلك لم يثبت في محل النزاع وقيل مكر الليل والنهار طول السلامة وطول الأمل فيهما كقوله تعالى: {فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم}.
تنبيه:
قوله تعالى أولًا يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول {الذين استضعفوا} بلفظ المستقبل، وقوله تعالى في الآيتين الأخيرتين {وقال الذين استكبروا} {وقال الذين استضعفوا} بلفظ الماضي مع أن السؤال والمراجعة في القول لم يقع، أشار به إلى أن ذلك لابد من وقوعه فإن الأمر الواجب الوقوع كأنه وقع كقوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}.
وأما الاستقبال فعلى الأصل {وأسروا} أي: الفريقان {الندامة} من المستكبرين والمستضعفين وهم الظالمون في قوله تعالى: {إذا الظالمون موقوفون}.
يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين {لما} أي: حين {رأوا العذاب} أي: حين رؤية العذاب أخفاها كل عن رفيقه مخافة التعبير.
وقيل: معنى الإسرار والإظهار وهو من الأضداد أي: أظهروا الندامة قال ابن عادل: ويحتمل أن يقال: إنهم لما تراجعوا في القول رجعوا إلى الله تعالى بقولهم {أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا}.
وأجيبوا: بأن لامرد لكم فأسروا ذلك القول وقوله تعالى: {وجعلنا الأغلال} أي: الجوامع التي تغل اليد إلى العنق {في أعناق الذين كفروا} يعم الأتباع والمتبوعين جميعًا، وكان الأصل في أعناقهم ولكن جاء بالظاهر تنويهًا بذمهم وللدلالة على ما استحقوا به الأغلال وهذه إشارة إلى كيفية عذابهم {هل يجزون} أي: بهذه الأغلال {إلا ما} أي: إلا جزاء ما {كانوا يعملون} أي: على سبيل التجديد والاستمرار.
ولما كان في هذا تسلية أخروية للنبي صلى الله عليه وسلم أتبعه التسلية الدنيوية بقوله تعالى: {وما أرسلنا} أي: بعظمتنا {في قرية} وأكد النفي بقوله تعالى: {من نذير إلا قال مترفوها} رؤساؤها الذين لا شغل لهم إلا التنعم بالفاني حتى أكسبهم البغي والطغيان ولذلك قالوا لرسلهم: {إنا بما أرسلتم به} أي: أيها المنذرون {كافرون} أي: وإذا قال المتنعمون ذلك تبعهم المستضعفون.
{وقالوا} أي: المترفون أيضًا متفاخرين {نحن أكثر أموالًا وأولادًا} أي: في هذه الدنيا ولو لم يرض منا ما نحن عليه ما رزقنا ذلك، فاعتقدوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم ولولا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم فعلى قياسهم ذلك قالوا: {وما نحن بمعذبين} أي: إن الله تعالى قد أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا في الآخرة، ثم إن الله سبحانه وتعالى بين خطاهم بقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل} أي: لهم {إن ربي} أي: المحسن إلي بالإنعام بالسعادة الباقية {يبسط الرزق} أي: يوسعه في كل وقت أراده بالأموال والأولاد وغيرها {لمن يشاء} امتحانًا {ويقدر} أي: يضيقه على من يشاء ابتلاء بدليل مقابلته بيبسط وهذا هو الطباق البديعي، فالرزق في الدنيا لا تدل سعته على رضا الله تعالى ولا ضيقه على سخطه فربما وسع على العاصي وضيق على المطيع،، وربما عكس وربما وسع عليهما وضيق عليهما، وكم من موسر شقي وكم من معسر تقي {ولكن أكثر الناس} أي: كفار مكة {لا يعلمون} أي: ليس لهم علم فيتدبروا به ما ذكرنا من الأمر فيعلمون أنه ليس كل موسع عليه في دنياه سعيدًا في عقباه ولا كل مضيق عليه في دنياه شقيًا.
ثم بين تعالى فساد استدلالهم بقوله سبحانه وتعالى: {وما أموالكم} أي: أيها الخلق الذي أنتم من جملتهم وإن كثرت، وكرر النافي تصريحًا بإبطال كل على حياله فقال: {ولا أولادكم} كذلك {بالتي} أي: بالأموال والأولاد التي {تقر بكم عندنا} أي: على مالنا من العظمة {زلفى} أي: درجة علية وقربة مكينة.
تنبيه:
قوله تعالى: {بالتي تقربكم}.
صفة للأموال والأولاد كما تقرر لأن جمع التكسير غير العاقل يعامل معاملة المؤنثة الواحدة وقال الفراء والزجاج أنه: حذف من الأول لدلالة الثاني عليه قالا: والتقدير: وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم بالتي تقر بكم ولا حاجة إلى هذا، ونقل عن الفراء ما تقدم من أن التي صفة للأموال والأولاد معًا وهو الصحيح، وجعل الزمخشري التي صفة لموصوف محذوف قال: ويجوز أن تكون التي هي التقوى وهي المقربة عند الله تعالى زلفى وحدها أي: ليست أموالكم ولا أولادكم بتلك الموصوفة عند الله بالتقريب قال أبو حيان: ولا حاجة إلى هذا الموصوف انتهى. وزلفى: مصدر من معنى الأول إذ التقدير: تقربكم قربى وقال الأخفش: زلفى اسم مصدر كأنه قال: بالتي تقربكم عندنا تقريبًا وأمالها حمزة والكسائي محضة وأبو عمرو بين بين وورش بالفتح وبين اللفظين، والباقون بالفتح وقوله تعالى: {إلا من آمن وعمل صالحًا} أي: تصديقًا لإيمانه على ذلك الأساس استثناء من مفعول تقربكم أي: الأموال والأولاد لا تقرب أحد إلا المؤمن الصالح الذي ينفق ماله في سبيل الله ويعلم ولده الخير ويربيه على الصلاح، أو من أموالكم وأولادكم على حذف المضاف إلى إلا أموال وأولاد من آمن وعمل صالحًا {فأولئك} أي: العالو الرتبة {لهم جزاء الضعف} أي: أن يأخذوا جزاءهم مضاعفًا في نفسه من عشرة أمثاله إلى ما لا نهاية له {بما عملوا} فإن أعمالهم ثابتة محفوظة بأساس الإيمان، ثم زاد وقال تعالى: {وهم في الغرفات} أي: العلالي المبنية فوق البيوت في الجنات زيادة على ذلك {آمنون} أي: ثابت أمانهم دائمًا لا خوف عليهم من شيء من الأشياء أصلًا، وأما غيرهم وهم المرادون بما بعده فأموالهم وأولادهم وبال عليهم، وقرأ حمزة بسكون الراء ولا ألف بعد الفاء على التوحيد على إرادة الجنس ولعدم اللبس لأنه معلوم أن لكل أحد غرفة تخصه، وقد أجمع على التوحيد في قوله تعالى: {يجزون الغرفة}.